محاضرة: صحافة الحلول

أنا أروى الكعلي دكتورة وأستاذة بمعهد الصِّحافة وعلوم الإخبار بتونس، أُدرّس مادة صحافة البيانات، والإعلام التلفزيوني والتواصل بين الثقافات.

أنا أيضا باحثة في علوم الإعلام والاتصال ولي خبرة في مجال الصّحافة لعشر سنوات..

سأكون معكم في هذه المحاضرة التي هي بعنوان: صحافة الحلول.. فأهلا وسهلا بكم.

 

في ثمانينيات القرن الماضي في "مانهاتن الأمريكية" تم تطبيق نظرية جديدة لمكافحة الجريمة، وهي نظرية لا تبدو تقليدية.

هل فكرت يوما أنه يمكننا مقاومة الجريمة في مترو الأنفاق عبر مقاومة النقوش الجدارية (الغرافيتي)؟

لا أعتقد ذلك شخصيا.. رغم أنني معجبة بنظرية النوافذ المحطمة التي تقف وراء التجرِبة، ولكن دعونا نفكر أكثر فيما فعلوه.

انصبّ تركيز مسؤولي المحطة على الغرافيتي، فكانوا ينظفون المحطات والعربات يوميا لمقاومة الفوضى التي قد تحْدثها الغرافيتي، وقد توفّر بيئة ملائمة لازدهار الجريمة.

أعتقد أن هذه التجرِبة هي مثال حقيقيّ لما يمكن أن يُحدثه التعامل مع المشكل من خلال نظريات ومقاربات جديدة قد تُحدث ما لا نتوقع حدوثه.

ولكن ربما نتساءل الآن: ما علاقة ذلك بصحافة الحلول؟

إليك ما سنتحدث عنه في هذه المحاضرة:

  • سنحدد بدقة ماذا نقصد بصحافة الحلول.
  • بعد ذلك سنمر إلى تحديد ركائز القصة الصّحفية التي تغطي الحلول.
  • سنتعرض أيضا إلى المحظورات التي يجب تجنبها.
  • وستجد بعض التمارين التطبيقية التي تمكّنك من فهم خصوصيات هذه القصص.

 

عملت في الصحافة لسنوات عدة، وكانت لي تجارب مهنيّة مع عدد من المؤسسات الدولية.

وعندما أفكر في المنطق الصحفي الذي يشغلنا جميعا خلال عملنا اليوميّ، سواء حين نحرر مقالا ما، أو حين نصوّر مادة فيلمية تتناول موضوعا ما، تبقى الإجابة عن هذا السؤال: ما هي المشكلة التي أود معالجتها؟

بمرور الزمن نصبح مبرمَجين wired على استشعار الأخطاء ورصد المشاكل، والبحث عنها.

ويصبح من السهل علينا أن نعرف إن كان هناك خلل، وأين يكمن، وما مدى نجاعة هذه الإجراءات الحكومية أو تلك السياسات الصحية أو التعليمية.

لكنّ هذا التفكير ترسّخ بعد عقود من الممارسات الصحفية المتركزة في أنه ما لم يكن هناك صراع أو خلل أو فساد أو خطأٌ أو مشكلة، فلن نستطيع بناء قصة صحفية.

هذا التفكير ترسّخ أيضا نتيجة اعتقادنا بأن هذا التوجه فقط هو ما سيخلق قراءً ومتابعين أوفياء.

ولكن منذ تسعينيات القرن الماضي ظهر اتجاه وتفكير جديد في عالم الصحافة، وهو: لماذا لا تقدم الصحافة الحلول مثلما تطرح المشاكل؟

تعترضنا مشاكل كثيرة وتجاوزات عديدة نسلّط الضوء عليها خلال مواكبتنا للأحداث والمستجدات، ولكن هل هذا فقط ما يعترضنا نحن جمهور الصحفيين؟

صدقا لا..

فهناك عدة تجارِب ناجحة تستحق أن نُبرزها.

في الحقيقة ليس الأمر سهلا دائما؟

أتذكر ما تبادر لذهني عندما تعرّفتُ صحافة الحلول أول مرة.

كنت أطرح الأسئلة التالية: من يملك الحلّ؟ هل من حق الصحفي الإشارة إلى الحلول؟ ألن يكون هذا بمثابة رأيِه الخاص؟ ألن يتأثر الأمر بقناعاته وانحيازِه لهذا الخيارِ أو ذاك؟ ألن يمجّد الصّحفي بذلك شخصا معينا أو جهة معينة؟

باختصار من السهل جدا طرح المشاكل وعرضها على الناس ولكن يظل تقديم الحلول أمرا معقدا.

لكن ماذا لو ساعدتنا صحافة الحلول في أن نبدأ سردا جديدا قِوامه حلول ممكنة؟ ماذا لو ساعدتنا على أن نحمّل المعنيين بالأمر، أو المجتمع أو أنفسنا؛ المسؤولية، لأنّ هنالك شخصا ما في مكان أو زمان آخر فكّر بشكل مختلف.

 

ما هي صحافة الحلول؟

بداية لنتفق حول مفهوم صحافة الحلول.

بحسب شبكة صحافة الحلول Solutions Journalism Network هنالك قائمة من الخصوصيات التي تساعدنا في تحديد ماذا نقصد بهذا النوع من الصحافة؟

  • أولا: القصة تفسّر أسباب مشكلة اجتماعية. إذا كانت القصة لا تتناول استجابة لمشكلة اجتماعية معينة سواء أكانت نجحت في ذلك أو لم تنجح، فلا يمكن أن نصنف هذه القصة تحت مظلة صحافة الحلول.
  • ثانيا: على القصة أن تصف الحلّ حتى تصبح فعليا قصة في صحافة الحلول.
  • ثالثا: يجب ألاّ تكتفي القصة بعرض الحل، بل عليها أن تشرح كلّ الخطوات والتفاصيل التي تجعل الحلّ ممكنا، ويجب أن يكون الحلّ مركزيا في عملية السرد.

 

باختصار.. الأمر يتعلق بوضع مختلف الخطوات أو المراحل أو الإجراءات التي تم اتخاذها لتطبيق الاستجابة المقترحة واعتمادها.

أي أن النقطة الفاصلة بين قصة في صحافة الحلول وبين غيرِها؛ أنها تطرح حلا أو طريقة للتعامل مع المشكلة بدل وصف المشكلة أو الظاهرة فقط.

هناك أيضا اختصاص شبيه وهو الصحافة البنّاءة أو Constructive Journalism..

تلتقي صحافة الحلول مع الصحافة البناءة في اتخاذ مقاربة أكثر إيجابية في التعامل مع الأخبار. ولكنها تذهب إلى حد تغطية ما يمكن أن يعتبر حلا.

يمكن أن نلخّص صحافة الحلول كما يلي:

صحافة الحلول هي:

  • ←←←←←←←     بحث في كيفية تجاوز مشكلة اجتماعية
  • ←←←←←←←     رصدٌ للنجاح أو الفشل في تجاوز المشكلة
  • ←←←←←←←     توثيقٌ لخُطوات تطبيق ذلك النجاحِ أو الفشل
  • ←←←←←←←    تتخذ منهجا يقوم على التقصي والدقةِ

 

مثلما أشرنا، فإن الأمر لا يتعلق بالبحث عن المشكلة فقط، بل بإلقاء الضوء على التجارِب التي نجحت (أو فشِلت) في تجاوزها.

يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل هناك محافظة داخل البلد أو حتى في بلد آخر نجحت في التخفيض من حوادث الطرقات؟

وكيف نجحت في ذلك أو فشِلت؟

الهدف هو استخلاص الدروس من التجرِبة، ولكن دون أن يتعلق الأمر بالمديح أو التضخيم للنجاحات، فالمطلوب توثيقها بشكل دقيق وحتى استقصائيّ أحيانا.

يمكننا أن نفهم صحافة الحلول بشكل أدقّ، إذا اطّلعنا على هذه الأمثلة:

 

مثال 1:

How Singapore Has Kept the Coronavirus Off Campus? أو كيف تمكنت سنغافورة من إبقاء فيروس كورونا خارج مركّباتها الجامعية؟ (2021)

من The New York Times:

تهتم هذه القصة بنجاح سنغافورة في إبقاء مركّباتها الجامعية خالية من فيروس كورونا، من خلال استخدام التكنولوجيا والعقوبات لمن لا يحترم الإجراءات.

 

مثال 2:

Italy’s pollution-eating cement أو "إسمنت إيطاليا الذي يأكل التلوث (2017)

من الجزيرة الإنجليزية:

تتناول هذه القصة ما قام به عدد من العلماء من تطوير إسمنت يمتص الملوثاتِ مثل ثاني أوكسيد الكربون استجابةً لتزايد تلوثِ الهواء ومخاطره على الصحة.. وهذا الإسمنت يُصنّع في ميلانو الإيطالية ويُستخدم في عدد من المدن حول العالم.

 

من خلال هذه الأمثلة يبدو واضحا أن رصد الحلول واعتماد هذه المقاربة صالح للتلفزيون ومواقع الإنترنت، وللمكتوب والمسموع.

إضافةً إلى الأمثلة التي عرضناها منذ قليل، هناك أقسامٌ بأكملها تخصص لقصص في صحافة الحلول بعدد من وسائل الإعلام في العالم، مثل Fixes في نيويورك تايمز وThe Upside في الغارديان

 

لماذا صحافة الحلول؟

في الولايات المتحدة يشير تقرير ألقى الضوء على مدى اهتمام الجمهور بالقصص القائمة على الحلول في 2014 إلى أن عددا أكبر من المتابعين عبّروا عن اهتمامهم بالموضوع القائم على الحلول أكثر من قراء القصص غير المستندة على الحلول. كما أنهم عبّروا عن رغبتهم في معرفة المزيد عن الموضوع وشعَروا بالإلهام عند قراءة هذه القصص.

 

ويشير التقرير إلى أن صحافة الحلول يمكنها معالجة العديد من المخاوف الرئيسية التي تواجه غرف الأخبار اليوم.

من بين هذه المخاوف التي يفصّلها التقرير، تصورات القراء الحقيقية أو الوهمية، بأن الأخبار سلبية بشكل كبير أي ذلك الشعور العام لديهم بأن الأخبار التي يتعرضون لها يوميا سلبية من جهة، وبأن الدقة في تناول هذه المواضيع تشهد تراجعا أيضا.

 

ركائز صحافة الحلول:

لديّ إجابة عن السؤال الذي طرحناه في القسم الأول من هذه المحاضرة: كيف نقرر أن هذا هو الحلّ المناسب للمشاكل؟ ومن الذي يحدد ذلك؟

دعني أُجبْ باعتماد كلمتيْن مفتاحيتين:

  • الأولى: هي الأدلة.
  • والثانية: هي الحدود.

وهما في الحقيقة من الأعمدة الأربعة التي تضعها شبكة صحافة الحلول حتى تستطيع أن تصنف القصة ضمن هذا النوع من الصحافة، إلى جانب:

  • تحديد المشكل والحل وتفاصيله.
  • والدروس المستخلصة أو مخرجات التجربة.


حتى تكون القصة سليمة ومتكاملة يجب أن تغطي كلّ هذه العناصرِ:

  • أولا: عرض المشكل الاجتماعي بتفاصيله وتوضيح جذوره وأسبابه وسياقه، فلا معنى لحلّ يُقدَّم لمشكلة غامضة وغيرِ مفهومة.

    المشكل لا يجب أن يكون معقدا أو ضخما فأفضل قصص الحلول هي تلك التي رصت حلا واضحا لجانب دقيق من المشكل.
  • ثانيا: التدقيق في الاستجابة وتوضيح خطواتها، والفئات التي استهدفتها، والتَّكلفة المالية، والمدة الزمنية التي استغرقتها، وكلّ تفاصيل هذا الحل.
     
  • ثالثا: تحديد الأدلة التي جعلت هذا الحلّ ناجحا.
    وهنا يمكن أن تعتمد على البيانات أو البحوث العلمية، أو المصادر البشرية.
    كما يمكن أن تعتمد القصة على تجرِبة في بلد آخر أو محافظة أخرى وعلى معطيات دقيقة مستمدة من تجارِب سابقة.
    المهم هنا هو أن نعثر على أدلة تبين نجاعة هذا الحل.
     
  • ولكل حلّ مهما كانت الأدلة مقنعة؛ حدود، وهذا هو العنصر الرابع الذي يجب أن تنتبّه إليه.
    تفصيل هذه الحدود هو الذي يدعَم جودة القصةِ؛ هل يصلح هذا الحل لفئة معينة فقط؟ هل يمكن تطبيقه بشكل مستمر أم إن نجاعته محدودة في الزمان والمكان؟ هل يستوجب توفّر موارد مالية ضخمة؟

    عندما نقدم حدود الحل نضع هذه الاستجابة في سياقها ولا نسقط في التضخيم أو التهويل.
     
  • خامسا وأخيرا عرض الدروس المستخلصة وكيف يمكن إعادة تطبيق هذا الحل.
    في النهاية الهدف من صحافة الحلول هو أن تقوم الصحافة بدورها في المجتمع، ولكن بدل أن تُلقِي الضوء على المشاكل، ستركّز في الحلول الممكنة، أو ستبين أن لهذه المشكلة حلا ولو جزئيا على الأقل، وقد يكون في ذلك الأمرِ تحميل السياسيين أو أصحاب المصلحة مسؤوليتَهم.

 

هل يمكن أن نكتب عن قصة مترو الأنفاق في منهاتن، ونجعلها قصة في صحافة الحلول؟

الإجابة.. نعم.

فهناك مشكلة اجتماعية واضحة المعالم وهي ارتفاع الجريمة في مدينة نيويورك إلى أكثر من 600 ألف جريمة في السنة.

العديد من المقترحات قُدّمت، ولكنّ تجربة بعينها تبدو مثيرة للاهتمام، وهي نظرية النوافذ المحطمة التي وضعها كل من عالمي الجريمة "جايمس ويلسون" و"جورج كيلينغ".

سلطات النقل في المدينة طلبت من "كيلينغ" تطبيق نظريته.

الجريمة هي المشكلة الاجتماعية الكبرى، وليس بالضرورة أن تتطرق قصتنا لكيفية القضاء عليها، ولكن دعْنا نذهب إلى جزء من المشكلة وهو انتشار الغرافيتي في محطات الأنفاق.

هنا على الأقل كانت مشكلة من وجهة نظر "دايفيد غان" الذي عُيّن مديرا حينها لمحطة النقل سنة 1984 والذي رأى أن الغرافيتي كان رمزا لانهيار المنظومة.

تمثل العمل المطلوب في مترو الأنفاق في تنظيف العربات والجدران والمحطات كلّ ليلة من الغرافيتي، وتواصل هذا العمل لمدة خمس سنوات، لمنع الشباب من الرسم بواسطة الغرافيتي على الجدران والعربات.

لم يتم القبض عليهم أو فرض غرامات مالية، بل كان العمال ينظفون ويدهنون المحطات والعربات كلّ ليلة ودون تخاذل لتحقيق الهدف المطلوب.

طيب قد تسألني هنا: ما الأدلة على نجاح هذه الاستجابة؟

الأدلة ترتبط بالتجربة المستمدة من النظرية، ولكنّ النتيجة المباشرة والواضحة هي أن عمليات التنظيف اليومية آتت أُكْلَها.

العنصر الثاني الذي أشرنا إليه منذ قليل هو الإجابة عن سؤال: ما الحدود؟

الفترة الزمنية الطويلة التي استوجبها تحقيق النتائجِ، الموارد المالية والبشرية المطلوبة حتى ينجح الحل، وأيضا الجدل حول ممارسة الغرافيتي للتعبير عن الأفكار والآراء.

لو وضعنا الأدلة فقط ستبدو قصة مثالية وخيالية ومغرية قد تدفع أيّ رئيس تحرير إلى تخصيص حيز جيد لها، ولكنها لن تكون قصة صُحفية جيدة ولن تصنف ضمن صحافة الحلول، عليك دائما أن تفصل الحدود.  فليس هنالك شيء مثالي!

 

إعادة التجربة:

عبر عرض الخطوات والحديث عن ظروف تنفيذ هذه التجربة، يمكن أن نساعدَ من يريد إعادةَ تنفيذها.

عادةً ما تدفعنا أدمغتنا للبحث عن النسق أو الأسباب وراء شيء ما، لذلك من السهل علينا أن نعمّم هذا الأمرَ أو نخرجه من سياق قابليته للتطبيق إلى تهويله أو المبالغةِ فيه.

هنا يمكن إدراج الحدود في القصة وطرح أسئلة حولها، وهذا سيخلّص الصحفيّ من انحيازه لجهة معينة دون غيرها، لأنه سيدقق في الحل المطروح والتحديات التي يواجهها، كما سيساعد الجمهور على فهم الحل في سياق الحواجز والمدى الذي يمكن أن يصل إليه.

 

عندما فكّكنا القصة أكثر، وحاولنا البحث في دعائم هذه الصحافة، انتقلنا من عرض عامّ للفكرة مثلما بدأنا المحاضرة إلى موضوع قصة صحفية في صحافة الحلول لا تخلو من المقاربة النقدية.

 

خلاصة ذلك، أن ركائز صحافة الحلول تتمثل في ما يلي:

  • عرض دقيق لاستجابة أو حل مع تفصيل المشكل وتوضيحه.
  • تقديم الأدلة على نجاح هذا الحل أو فشله.
  • تفصيل حدود هذا الحل.
  • وعرض الدروس المستخلصة وإمكانات إعادة تطبيقه.

هنالك أمور أساسية يجب أن تتوفّر في قصتك، يجب أن تعرِض المشكلة بشكل واضح ثم تعرِض حلّها.

من المهم جدا أن تفصل حدود هذا الحل وأن تبين آفاقَه الممكنة، وهل يمكن إعادة اعتماده في ظروف مغايرة أم لا، مثلا.

 

تمرين:

والآن أطلب منك بكل لطف، أن توقف الفيديو، وأن تعود إلى المثال الأول لقصة الحلول الخاصة بتمكن سنغافورة من إبقاء فيروس كورونا خارج مركّباتها الجامعية..

المطلوب هو تحديد العناصر التالية:

ما هي المشكلة؟، ما هي الاستجابة؟ ما هي الأدلة؟، ما هي الحدود؟ وما هي الدروس المستخلصة؟

أنواع القصص في صحافة الحلول؟

بحسب شبكة صحافة الحلول هناك أربعة أنواع من القصص يمكن إنتاجها في إطار صحافة الحلول:

  1. الانحراف الإيجابي: قصص عن أشخاص أو مؤسسات تقوم بأشياء غير اعتيادية وغيرِ متداولة ولكنها إيجابية ويمكن أن تأتي بالحل.
  2. أفكار كبيرة جديدة: قصص تستكشف فكرةً أو مشروعا مجددا.
  3. تجارِب بصدد التطور: تتابع هذه القصص برنامجا قيد التنفيذ، هنا قد تكون المخرجات والنتائج النهائية غير مكتملة بعد.
    تحويل الموقع: تلعب فيه المواقع أو الأمكنة أو الأنظمة والتحولات التي تعرفها، دورا في المجتمعات التي تتأثر بها.


يمكن أن نضيف إلى ذلك تجارِب لم تنجحْ ولكنها تقدم دروسا مهمةً.

الجوانب الإيجابية من الكوارث أو الأحداث السلبية مثلا، على غرار تراجع تلوث الهواء بعد الحجر الصحي الشامل الذي عرفه عدد من بلدان العالم في 2020 بسبب انتشار فيروس كورونا...

 

أخطاء لا تقع فيها:

بعد أن حددنا ركائز صحافة الحلول، يمكن أن نحدد الآن كلّ ما لا يصنّف تحت مظلتها:

  • هي ليست دعوة للتركيز في الجوانب الوردية والإيجابية للأمور. بل تقوم صحافة الحلول على عرض مفصل ودقيق لمشكلة اجتماعية.
  • في المقابل، هي ليست عرضا للمشاكل فقط. بل عرضا للمشاكل من أجل عرض الاستجابة لها.

لذا يجب أن تجيب القصة على أسئلة من قبيل:

  • ما هو المشكل وبدقة؟
  • ما هي الاستجابة له؟
  • كيف حدثت هذه الاستجابة؟
  • كيف يظهر الحل؟
  • من وراء هذا الحل؟
  • هل هي أول مرة تُعتمد فيها هذه المقاربة؟
  • هل تمت إعادة اعتماد هذه المقاربة بعد نجاحها؟

 

  • هي أيضا ليست عرضا لحل نهائيّ لمشكلة كبرى. بل يمكن أن يكون عرضا لحل ممكن لجانب من هذه المشكلة.
     
  • ليست عرضا لقصة نجاح فقط. بل يمكن أن تكون طرحا لقصة فشل من أجل استخلاص الدروس، ما يمكن أن نتعلمه منها، ولكن ضمن نفس المقاربة القائمة على البحث عن الحلول بدل رصد المشاكل.
     
  • ليست تمجيدا لأبطال. بل هي عرض لمختلف الخطوات التي اعتمدت لتجاوز المشكل أو جانب منه، وليس السؤال الرئيسي هو: ليس من قام بماذا؟ أو من هو البطل في القصة؟ وإنما السؤال الرئيسي: بماذا قامت هذه الشخصيات أو المؤسسات؟
     
  • ليست عرضا لهذه الحلول فقط. بل أيضا تقديم أدلة على صحتها.
    وهنا علينا أن نجيب على أسئلة مثل: ما هي المصادر التي تثبت هذا الحل؟ كيف يمكن أن نَقيس سلامة الحل ونجاعته؟
     
  • لا تقدمْ حلا على أنه هو الأوحد والأمثل. بل يتعلق الأمر بتتبع إمكانات الخروج من مشكل وأحد الحلول التي تمت تجربتها.

وهنا نطرح أسئلة مثل: ما هي حدود هذا الحل؟ ما هي مواطن الفشل أو الخلل؟ ما هي الجوانب التي يمكن ألا ينجح فيها؟ هل هنالك فئات من السكان لا يمكن أن ينطبق عليها؟ هل سيضر بفئات معينة؟

صحافةُ الحلول لن تلغي المشاكل، ولكنها ستُرينا الأمور بشكل مختلف، سترينا أن هذه المشاكل ليست مستعصية على الحلّ، فهناك أشخاص تمكنوا من تجاوزها.

 

كيف يمكنني أن أتجاوز عقبات إنتاجٍ قصص في صحافة الحلول؟

أعرف أن اعتماد صحافة الحلول في غرف الأخبار ليس أمرا سهلا دائما، لذا من المهم أن نتجهز جيدا لسيناريوهات مختلفةٍ يمكن أن تحدث:

  • قد ترغب في تغطية إحدى التجارِب الناجحة في حملة تلقيح واسعة ضد فيروس كورونا، وقد يخبرك رئيس التحرير أن هذا الأمر، لا معنى له في البداية.

    حاول أن تعتمد مواضيع طريفة ومختلفة مثل الإسمنت الذي أكل التلوث، أو مواضيع يكون تأثيرها واسعا.
    فترسيخ هده الصحافة الإيجابية يتطلب وقتا، ولكن من الصعب أن يرفض أي رئيس تحرير مقترحا جيدا.

 

  • هناك تحديات أخرى يمكن أن تعترضك.

    قد تشتغل على قصة ولا تجد أدلة دامغة تثبت نجاعة الحل.
    ما الذي ستفعله في هذه الحالة؟ هل تنشر القصة؟
    انتبه فإذا نشرت القصة بهذه الطريقة يمكن أن تسقط في فخّ العلاقات العامة أو عرض حل دون أدلة حقيقية على صحته.
    إذا لم تعثر على أدلة دامغة، واصل البحث ربما يكون ذلك مؤشرا على أنك تحتاج التحقيق أكثر في الموضوع وربما تكتشف خفايا جديدة عن القصة.
    ولكن نحن نعلم أن الوقت في الصحافة عملة نادرة، لذلك يمكن أن تنشر القصة وتضع الأدلة التي تحصلت عليها، ويمكن أن تضيف إلى ذلك توصيفا كاملا لمدى دقة الأدلة ونجاعة الحل.
    بهذه الطريقة يمكنك تجاوز ضغط المشرف على التحرير، وأن تكون صريحا وواضحا مع الجمهور.
    هذه هي الأدلة وهذا هو مدى دقتها إلى حد الآن وقدرتها على مساعدتنا في تقييم الحل.

 

  • ماذا لو لم تجد حدودا للقصة؟ ماذا لو بدا الأمر مثاليا ولم يشرح لك أصحاب الحل أو المبادرة التحديات التي يمكن أن تطرح؟
    اعتمد نفس التمشي، ولكن ابحث عن حدود من مصادر أخرى بشرية أو حتى تاريخية.

 

  • هناك آلاف الأخبار التي تحدث كل يوم حول العالم، ومتابعة الأخبار لا تترك مجالا للتفكير في مثل هذه القصص.

    هذا صحيح فصحافة الحلول تقوم على التثبت والتوثيق والدقة.
    لذا فإنها ليست صحافة للاستهلاك السريع بل البطيء والمتأني.
    من الصعب أن تنتج قصة تقوم على الحلول حول أخبار عاجلة. الحلول تتطلب وقتا.

 

ولكن إن أردت أن تعتمد مقاربة إيجابية للأخبار مثلما تدعو لذلك مقاربة الصحافة البناءة، فعليك الانتباه للقصص الإيجابية لتجاوز ما يسمى الانحياز السلبيّ في الأخبار Negativity Bias، ولكن لا تنسَ أن قصة جيدة في صحافة الحلول تستوجب دقة وتوثيقا.

 

  • ماذا لو لم تحصد القصة اهتمام الجمهور؟ هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي قصة صحفية. ولكن عليك أن تحدد الأسباب الحقيقيةَ لهذه المصلحة، هل يتعلق الأمر بأنها قصة قائمة على الحلول؟ هل المشكلة في الحل أو الموضوع في حد ذاته؟ أو توقيت النشر أو غيرها من العوامل؟

إن كانت القصة جيدة حاول أن تقدمها في قالب مختلف واستعن بتعدد الوسائط أو بموادّ بصرية.

 

أرجو أن تكون متحمسا الآن لنبدأ بتطبيق كل ما تعلمنا.

إذا كانت لديك قصة اجتماعية تشتغل عليها، اعتمد هذا التمارين:

 

تمرين 1: ورقة عمل

عندما تبدأ بالاشتغال على قصة، استعن بورقة العمل التالية:

1- ما هي المشكلة الاجتماعية؟ هل يمكن أن تعبر عن قصة حول هذه المشكلة في ست كلمات؟

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

 

2- هل هناك حل لهذه المشكلة؟ ما هو؟ من يمكن أن يقوم به؟ أين يمكن أن أجده؟ اِروِ قصة هذا الحل في ست كلمات أيضا.

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

 

3- ما هي المصادر التي يمكن أن توفر أدلة على سلامة الحل ونجاعته؟

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

 

4- أين يقف هذا الحل؟ ما هي المعوقات أو التحديات التي يمكن أن يواجهها؟

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

 

5- كيف يمكن إعادة تطبيق هذا الحل؟

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

……………………………………………………………………………………….

Image removed.

تمرين 2:

من الركائز الأساسية لقصة في صحافة الحلول هي الأدلة، يساعدك هذا التمرين في تحديد الأدلة التي يمكن أن تتوفر لديك وأين عليك أن تبحث.

  • ابدأ بأصحاب الحل أنفسهم، فلعل لديهم أدلة.
  • ثم ابحث عن المصادر البشرية من خبراء أو مختصين ممن يمكن أن يبينوا نجاعة الحل.
  • اُكتب في خانة الأرقام والبيانات كل المصادر التي يمكن أن تحصل عليها.
  • أما إذا لم يكن كل هذا متوفرا، فيمكن أن تكون التجارِب المقارنة قصصا في حد ذاتها أو مصدرا لأدلة.
  • ولكن أذكّرك بأنك لا تحتاج إلى كل هذه الأنواع المختلفة من الأدلة، بل هذا تمرين يساعدك على تطوير الفكرة والحصول على مصادر أكثر.
Image removed.

برواية قصص الناجحين تتحول زاوية القصة الصحفية تماما من الإجابة عن سؤال: مَن المسؤول عن هذا الفشل وكيف حصل؟ إلى: من يقف وراء هذا النجاح وكيف تم؟

ومن خلال ذلك يمكن للصحفي أن ينشر ثقافة النجاح وإيجاد الحلول، مثلما تقول "كاثي بيست" من Seattle Times في مقال بعنوان "تحويل تركيزنا من المشاكل في التعليم إلى الحلول المحتملة".

 

أرجو أن تكون هذه المحاضرة قد ساعدتك في تتبع خطواتك الأولى، وفي المرة القادمة التي تقابل فيها مشكلة تلهمك لإنتاج قصة صحفية اسأل نفسك: هل هناك من توصّل إلى حل لها؟ هل هناك من كانت له مقاربة مختلفة؟